روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | العبادة المنسية...حسن الظن بالله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > العبادة المنسية...حسن الظن بالله


  العبادة المنسية...حسن الظن بالله
     عدد مرات المشاهدة: 4426        عدد مرات الإرسال: 0

هل ترى الحياة بقلب مرهق يتوقع الأسوأ وينتظر حدوث ما يكره دومًا؟..

هل تعتقد من داخلك أن لحظات السعادة نادرة، وأن الأصل في الحياة الأحزان؟

إذا كنت متفائلًا.. فهل يصمد هذا التفاؤل إذا ألمَّت بك محنة.. أو بدت في الأفق المصاعب؟

إنها ليست أسئلة ثانوية أو عابرة.. وليس من المبالغة أن نقول أنها الأسئلة التي تشكل الإجابات عليها حياتنا، وتحدد مسارنا.

ولقد عاب الله تعالى على الإنسان يأسه وقنوطه عند المصيبة، حتى إن هذا الأمر يُعد بنص القرآن الكريم كفرًا وضلالًا، قال يعقوب عليه السلام: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].

وقال الخليل إبراهيم عليه السلام:{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56].

وكقاعدة فإن أغلب البشر ييأسون ويحبطون وتضيق نفوسهم عن إستيعاب الأمل عند وقوع المصائب، قال تعالى: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا} [الإسراء:83].

ولا يُستثنى من هذا الجزع واليأس عند ورود المحن إلا الصابرين المصلين الموصولين بالله.. الذين لم تغب عن قلوبهم العبادة المنسية، والفريضة الغائبة وهي حسن الظن بالله.

وإذا كان على الإنسان أن يحسن الظن بالله، ويثق في رحمته، وينتظر بيقين فرجه وهو في المصيبة والعسر والضيق، فكيف بالأحوال العادية؟.. بل كيف بحال قلبه في السراء والرخاء؟.

من العجيب حقًا أن الكثيرين لا يعرفون لذة الثقة بالله، ولا برد حسن الظن به حتى في النعماء، فتجدهم يتوقعون المصائب والأحزان وزوال النعمة وهم يرفلون فيها.

وثمة فارق كبير جدًا بين عدم الركون إلى الدنيا والإغترار بها، والذي يستوجب الإعداد للآخرة، وعدم الإنغماس في الملذات، وبين سوء الظن بالله وتوقع الشر، إنه الفارق بين من يزهد في الدنيا رجاءًا لما عند الله، وبين من لا يستمتع بحياته ولا يهدأ قلبه خوفًا على الدنيا وخشية زوالها وتوقعًا للسوء.

إن حسن الظن بالله عبادة قلبية تحمل الإنسان إلى حسن العمل، فالإحباط والتشاؤم عدوّان رئيسيان للإنجاز والتزود بالخير، فإذا لم يتطلع القلب للخير ويمتلأ أملًا، فإن الجسد يثقل والهمة تموت.

وحسن الظن بالله ليس مجرد فكرة تريح القلب وتهديء التفكير، بل إنه عبادة لها أثرها في حياة الإنسان، وسبب أساسي لما يقع له بأمر الله وقدره، يقول الحق سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرًا فله وإن ظن شرًا فله» رواه مسلم.

واليأس من عطاء الله ورحمته لا يجلب للإنسان إلا مزيدًا من الضيق والهم، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج:15].

قال الدكتور محمد راتب النابسلي حفظه الله: من معاني الآية أنه مَن توهَّم أنَّ الله لن ينصُرَهُ، ولن يُوَفِّقَهُ في عملِهِ ولن يشْفِيَهُ في مرضِهِ، ولن يسْمَحَ له أن يسْعَدَ في الدنيا، ولن يُعْطِيَهُ المال الوفير، ولن يرْزُقَهُ زوْجةً صالِحَة، ولن يُوَفِّرَ له المسْكن والمأوى ومن كان يظنّ أنَّ الله ضِدُّهُ، وأنَّ الأقْدار تسْخر منه، وأنَّه غير مُوَفَّق في حياتِهِ، والأسباب كلّها مُقَطَّعة، والعقبات كلُّها كَأْدَاء، كلّ هذا وَهمٌ في وَهْم، وهو ليس إلا في ذِهْن الواهِم، فالخلق كلُّهم عِيال الله، يا سَعْدُ لا يغرنَّك أنَّه قد قيل خال رسول الله فالخلق كلُّهم عند الله تعالى سواسِيَّة، وليس بينهم قرابَة إلا طاعتهم له، -التفسير المختصر.

[] لعبة الشيطان:

البعض يرى أن الفرص محدودة، وأن الموارد قليلة، وأن الخيرات أقل بكثير من حاجات البشر، فهو يتهم الله إبتداءًا في قلبه وإن لم يصرح لنفسه!

إنها لعبة الشيطان المفضلة أن يغلق على الإنسان في دائرة حديدية محكمة ورهيبة من الشعور بالقلة والندرة فيتسلل اليأس ثم يتمكن، والحقيقة أن خالق هذه الدنيا هو الله الواسع العليم.. وسعة الله تعالى لا تقتصر على مجال أو نوع.. فالله واسع الفضل، واسع الرزق، واسع الرحمة، واسع المغفرة، وسع كل شيء رحمة وعلمًا.. وأرضه واسعة، وهو الذي يشرح الصدور أي يوسعها وهو معنى يشمل البصيرة والأمل والسرور وغيرها.

هي لعبة الشيطان لأن الشعور بالقلة والندرة يؤدي إلى الخطايا وإستصغار النفس وإستصعاب النجاح الدنيوي والأخروي، فيتوالى الزلل والتردي، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268].

فوعد الشيطان المشؤوم بالفقر والقلة في الدنيا، وإدخاله اليأس على الإنسان في مغفرة الله له في الآخرة يدفع به إلى الفحشاء، ولكن وعد الله الواسع العليم هو الفضل والسعة والرزق الحسن.. والمغفرة في الدنيا والآخرة.

[] الطريق إلى حسن الظن بالله:

وكأي عبادة يحتاج حسن الظن إلى إجتهاد وصبر، وهذه بعض الإشارات لترسيخه في القلب:

1= التدبر في آيات الله، وربطها بأسمائه الحسنى وأفعاله الحكيمة، فمن يتدبر في معاني وآثار أسمائه: الرزاق، الغني الكريم، الواسع، الوهاب، القدير، خير الرازقين، أحكم الحاكمين.. وغيرها يمتلأ قلبه ثقة به ولا يعرف إلا حسن الظن.

وحتى تكون دراسة العقيدة صحيحة فيجب ألا تقتصر على الحفظ، فهذا علم لا يُدرس نظريًا.. على القلب أن يكون متنبهًا لحكمة الله وتدبيره.

2= التواصي والإقتراب من حسني الظن بالله، فالجلوس والإستماع إلى المتشائمين ومن يتوقعون السوء بإستمرار يُغرق القلب في الظلمة، وينقل إليه عدوى اليأس المقيتة.

ومن الناس من يتلذذ بإدخال اليأس على الآخرين، وكثير منّا يفعل هذا بدون قصد.. فإذا تأخرت الفتاة في الزواج بدأوا يحدثونها عن العنوسة ومخاطرها، وقلة الفرص وصعوبة الزواج.

وإذا تقدم للفتاة بضعة أشخاص ولم يتم الأمر كثر حديث من حولها عن السحر والحسد وأن أمرها لن يتم.. بدلًا من أن يذكروها بحكمة الله وأنه مولاها الذي يختار لها ويدبر ويصرف السوء.

وإذا تأخر حمل الزوجة إنصرفت الأذهان للعلل الشديدة، وإذا ألم بالصغير أو الكبير مرض ملؤوا أنفسهم ونفسه همًا وقنوطًا..

وإذا تتابعت الخطوب على الأمة إستحضروا أسوأ الإحتمالات، وكلَّت أنفسهم عن إنتظار النصر والعمل له، ورددوا آثارًا يوظفونها لليأس، مع أن الآثار كلها تحث على الثقة بالنصر، واليقين بإنتشار الإسلام وظهوره.

3= الشكر.. فالذي ينسى الشكر يمر على نعم الله دون تنبه، فلو تنبه لشكر، ولكنه يستقلها ولا يشكرها فلا ينطبع في نفسه أثرها.. وفي الحقيقة فإن تذكر النعم وشكرها يملأ القلب إمتنانًا لله، ويجعله مستحضرًا لفضله وفرجه ويسره وعطائه، فإذا ألم به خطب لا ينكسر ولا يفزع بل يطمأن ويدعو موقنًا بالإجابة كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

4= حسن العمل.. وهو نتيجة لحسن الظن، وموصل إليه أيضًا.. فحسن العمل يُعلي الهمة ويغير التفكير ويفتح آفاقًا جديدة ودروبًا سعيدة.

قال الحسن البصري رحمه الله: إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل.

الكاتب: مي عباس.

المصدر: موقع رسالة المرأة.